03/12/2022 - 21:31

حوار | الفصل في التعليم شكل أساسا للتمييز وتكريس تفوق يهودي في الأكاديميا وسوق العمل

وترى دلاشة، أن الفصل بين الفلسطينيين واليهود في التعليم هو نتاج للفصل بين جهازي التعليم اليهودي والعربي، الذي جرى منذ الأيام الأولى لإقامة دولة إسرائيل وهو فصل ناتج بجزء منه عن الانفصال الجغرافي القائم

حوار | الفصل في التعليم شكل أساسا للتمييز وتكريس تفوق يهودي في الأكاديميا وسوق العمل

(Gettyimages)

في بحثها الذي نالت عليه شهادة الدكتوراة من جامعة تل أبيب، تحت عنوان "أثر الفصل أو الدمج على الطلبة الفلسطينيين في إسرائيل"، تعود ميسلون دلاشة إلى البداية لتضع يدها على أصل المشكلة التي تسببت بمعاناة التعليم العربي، فتشير إلى أن عام 1948 السنة التي أقيمت خلالها إسرائيل ووقعت النكبة الفلسطينية وكارثة تهجير الفلسطينيين، هي سنة مهمة لفهم الحالة المركبة للتعليم العربي اليوم، إذ أن الفقدان الكبير الذي أصاب التعليم العربي الفلسطيني نتيجة اقتلاع غالبية طبقة المثقفين من أرضهم ترك التعليم العربي في وضعية متدنية.

كما أن الاقتلاع الفلسطيني أحدث فراغا اجتماعيا هائلا، كما تقول، وأدخل الفلسطينيين الذين بقوا في بلادهم وتحولوا إلى مواطنين في دولة إسرائيل في "عملية تحديث مكثفة" حولت المدرسة إلى "وكيل حضاري"، بكل ما يتعلق بالانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع عصري، وجعلتها العامل المركزي، إن لم تكن الوحيد للتقدم الاجتماعي- الاقتصادي، والسياسي إلى حد ما، خاصة بالنسبة لمجموعات في المجتمع الفلسطيني التي كانت تعتبر هامشية في الماضي.

ويضيف البحث، أنه بعد إقامة دولة إسرائيل وبالتوازي مع تحويل الأغلبية الفلسطينية إلى أقلية، فإن العامل الأساسي الذي وجه إطار تطور التعليم العربي كان الفصل بين الطلاب الفلسطينيين واليهود، حيث وقف متخذي القرار اليهود أمام توجهين، الأول هو دمج الطلاب الفلسطينيين وتذويبهم في التعليم العبري، والثاني توجه الفصل بين اليهود والفلسطينيين.

مؤيدو سياسة الفصل ادعوا أنها تسمح للفلسطينيين التعلم في أجواء شبيهة لتلك السائدة في بيوتهم والحفاظ على الثقافة العربية، بالمقابل أشار المعارضون لسياسة الفصل إلى العديد من النواقص أهمها تأبيد حالة الاغتراب المتبادل بين اليهود والعرب.

وترى دلاشة، أن الفصل بين الفلسطينيين واليهود في التعليم هو نتاج للفصل بين جهازي التعليم اليهودي والعربي، الذي جرى منذ الأيام الأولى لإقامة دولة إسرائيل وهو فصل ناتج بجزء منه عن الانفصال الجغرافي القائم بين المجموعتين، في حين أن الفصل الذي تحول إلى حالة مفروغ منها هو فصل قومي ولغوي، وصار عمليا جهازي تعليم عبري وعربي منفصلين، ولاحقا يتغلغل هذا الفصل إلى سوق العمل، كما تقول، حيث يعاني الفلسطينيون من حواجز ومعيقات عديدة، وهو وضع يجد تفسيره في تركيز العرب سكنيا في الهامش الاجتماعي في مناطق الشمال والجنوب وليس في المركز الاقتصادي لإسرائيل.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" د. ميلسون دلاشة لإلقاء الضوء على القضايا التي تناولها البحث.

"عرب 48": من الواضح أنك تتحدثين عن الفصل كأرضية صالحة للتمييز وعن الدمج كقاعدة مشتركة للمساواة، بغض النظر عن التمايز الثقافي والقومي بين المجموعتين اليهودية والفلسطينية..

د. ميسلون دلاشة

دلاشة: البحث الذي يقع في إطار العلوم الاجتماعية التربوية يتناول الصيرورات الحاصلة في التعليم العربي على مدار 15 عاما، هي النطاق الزمني للبحث الذي أجري على مواليد 1980-1995 الذين تخرجوا بين سنوات 1998-2013، وهو يعالج للعمق نظام التعليم ككل ويحاول الإجابة على سؤال يتعلق بدور المدرسة (نوعية المدرسة وموقعها القومي- الديني والطبقي) على التحصيل العلمي للطلاب المتمثل بالبجروت والمسار التعليمي اللاحق وللمدى البعيد، على سوق العمل من ناحية الدخل ونوعية العمل الذي يمارسه الخريجون.

وقد حاولت أن أرصد ظاهرتين اجتماعيتين حصلتا في العقود الأخيرة، الأولى تتمثل بالصيرورات النيولبرالية ودخول التعليم الخاص عن طريق شبكات التعليم وتاريخيا بواسطة المدارس الأهلية القائمة، والثانية المتمثلة بالتوجه للمدارس اليهودية والمدارس ثنائية اللغة التي نشأت مؤخرا أيضا، علما أن البحث تناولها بشكل أقل لأنها نشأت في أواخر التسعينيات.

ومن الجدير التنويه أن البحث لا يوفر معطيات محتلنة عن واقع اليوم، بل يعطي نظرة تحليلية إلى الوراء من شأنها أن تساهم في ما يحصل اليوم وتشير إلى مواطن االخلل ومواقع الخطأ.

"عرب 48": عنوان البحث "أثر الفصل أو الدمج"، وأنت تقصدين الفصل طبعا لأنه هو القائم، ولو كان الفصل جاء بحجة تمايز قومي وثقافي فإنه يقوم في الواقع على تمييز عنصري ويكرس تفوقا يهوديا، خاصة إذا ما أدركنا بأن جهاز التعليم العربي هو غير مستقل ولا يتمتع بإدارة ذاتية، في حين أن أجهزة التعليم الدينية اليهودية تتمتع بذلك..

دلاشة: البحث أورد حالة الفصل العنصري القائم تجاه السود في الولايات المتحدة، مع الإشارة إلى التبايُن بين الظروف القائمة في إسرائيل مقارنة بتلك التي كانت قائمة في الولايات المتحدة، والتي قادت إلى اتخاذ قرار براون القاضي بإلغاء الفصل العنصري ومن بين تلك الظروف أنه كان للبيض والسود هدفا مشتركا في الحرب العالمية الثانية.

بالمقابل، فإن "العدو الفلسطيني" هو ذاته الذي يسعى لخلق تداخل ودمج بين الإسرائيليين في مجالات الحياة المختلفة، يشمل التعليم والعمل. كما من الضروري أن نفهم أنه لا يتم استقبال الفلسطينيين الساعين إلى الانخراط بحفاوة وبترحيب، إذ أن السياسة الإسرائيلية القائمة على مفهوم "فرق تسد"، تكرس هذا الفصل القومي، الديني أو الاجتماعي-الاقتصادي.

وفي ضوء تواصل الصراع، فإن هذه السياسة التي أولدت التعليم المنفصل، لا تُتيح الظروف الأساسية للتواصل الايجابي والمتكافئ بحق، وهي تتغلغل إلى العمق في سوق العمل، وتخلق العوائق أمام الموظفين أو العمال الفلسطينيين المؤهلين المحتملين والذين نجحوا بالرغم من تلك الظروف والمعيقات التي وضعتها أمامهم سياسة الفصل في جهاز التعليم.

"عرب 48": في التقسيمة الداخلية بين مدارس أهلية كنسية وخاصة حديثة العهد والمتاحة للطبقات الاقتصادية الاجتماعية العليا، إلى جانب الانخراط في المدارس اليهودية أو ثنائية اللغة والتي تعرض نوعا من التنوع وتعدد الخيارات أمام الطالب العربي، لا ننسى أن الغالبية الساحقة من مجتمعنا تتعلم في المدارس الحكومية التي تعاني وضعا متدنيا مقابل المدارس الحكومية اليهودية..

دلاشة: عالجت مسألة الإمكانيات المتاحة أمام الطالب العربي العادي الذي يسكن في إحدى قرى الجليل أو النقب والنتيجة أن الفرص تختلف حسب الخلفية الاجتماعية الاقتصادية، علما أننا في مجتمع 50% منه فقراء ولذلك فئة قليلة هي المتاح أمامها الذهاب إلى مدارس خاصة أو مدارس يهودية أو ثنائية اللغة، ورغم أن 75% من الطلاب المسيحيين يتعلمون في المدارس الأهلية الكنسية فإن نسبتهم من المجموع العام قليلة تناسبا مع نسبة المسيحيين من أبناء شعبنا.

أما بالنسبة لـ"التعليم الدرزي" فرغم التغني بنتائج البجروت الجاري في السنوات الأخيرة، فإن السنوات التي تناولها بحثي أفادت نتائجها أن جودة البجروت في هذه المدارس خاصة بما يرتبط باللغة الإنجليزية والرياضيات كانت أقل من المعدل العربي العام.

"عرب 48": نحن نعرف، وكذلك أشرت في بحثك أيضا إلى الفجوة الموجودة داخل التعليم اليهودي على أساس اجتماعي اقتصادي والتي تتمثل بين الإشكناز والشرقيين أساسا، وفي هذا السياق لفت نظري المعطى الذي أوردت وهو أن 26% من الإشكناز يخرجون بشهادة بجروت ذات جودة عالية مقابل 5% من العرب فقط؟

دلاشة: الأبحاث تشير اليوم إلى أهمية جودة شهادة البجروت وخصوصا في موضوعي اللغة الإنجليزية والرياضيات، وكما هو معروف فإن المدارس اليهودية الإشكنازية الكائنة في الأحياء والمدن الغنية تتميز في هذه النتائج، مقبل انخفاض هذه النسب لدى الشرقيين في الأحياء والمدن الفقيرة ولدى العرب.

ولكن برغم تدني النسبة في مدارس اليهود الشرقيين إلى النصف أي 13%، فإن هذه النسبة توازي نسبة جودة شهادة البجروت في التعليم العربي الخاص الذي تحتل المدارس الكنسية الحيز الأكبر منه.

"عرب 48": نستطيع القول بمفارقة مريرة إذن أن الفئة العليا عندنا توازي الفئة الدنيا عندهم وهذا يعكس عمق الفجوة القائمة..

دلاشة: صحيح، وهذا مؤشر لما هو قائم في الأكاديميا وأساسا في سوق العمل والنسب المتدنية للعرب في مهن ومجالات معينة، فنوعية المدرسة هي ما تحدد نوع الجامعة والموضوع ولاحقا نوع المهنة والوظيفة في سوق العمل.

"عرب 48": حتى عندما نتحدث عن خصخصة بمعنى إنشاء مدارس نوعية خاصة، فإن النسبة لا تقارن بين العرب واليهود فهناك باتت تنتشر مئات المدارس النوعية تحت مسميات الفنون والموسيقى وغيرها، بينما تعاني مدارسنا الخاصة (الكنسية) القائمة منذ العهد العثماني من أزمات وجودية..

دلاشة: واضح جدا، فمدارس التعليم الديني اليهودية تحصل على 100% من التمويل، بينما تحصل المدارس الثانوية الكنسية على 75% فقط والمدارس الابتدائية على نسبة أقل من ذلك بكثير، ولذلك تعاني أزمات اقتصادية متعاقبة باتت تهدد استمرارها.

"عرب 48": عودة إلى الفصل، بنظرة شاملة نجد أن التعليم في إسرائيل يعاني الفصل على أساس قومي وديني ومذهبي واثني -اقتصادي اجتماعي ويكرس الفجوات التعليمية والاجتماعية..

دلاشة: لو جلنا بين دول العالم لوجدنا أن إسرائيل من أكثر دول التفرقة في العالم التي تمارس عملية الفصل بين الطلاب من جيل مبكر على خلفيات مختلفة، فهي تتعامل مع قوالب وجهاز التعليم يكرس هذه القوالب بدلا من أن يحاول كسرها، وأنا هنا لا أتحدث عن التمايز القومي أو الديني بل عن ترجمة هذا التمايز إلى تمييز وبالتالي إلى فجوات اجتماعية اقتصادية وتكريس هذه الفجوات وتعميقها.


د. ميسلون دلاشة: باحثة، محاضرة وناشطة اجتماعية مختصة في قضايا علم الاجتماع السياسي-الاقتصادي وعدم المساواة الاجتماعية وسياسة الحّيز واللغة. حاصلة على درجة الماجستير في علم الاجتماع مع تخصص في استطلاعات الرأي العام ودرجة البكالوريوس في علم الاجتماع ودراسات المرأة والجندر. محاضرة في جامعة تل أبيب في قسم علم الاجتماع، عضو في المجلس التربوي في لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، عضو في مجلس إدارة في جمعية 972+ وفي مركز أدفا للمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية.

التعليقات